ماذا لو فقدت نعمه البصر...؟؟

عندما تريدون ان تتذكروا شيئا مر معكم تغمضون اعينكم ،عندما تريدون استعادة مشهد قديم ايضا تغمضون اعينكم لتستحضروه بذاكرتكم اما انا فلا لزوم لان اغمض عيني لافعل هذا لانني وببساطه ضرير فهما مفتوحتان دائما تحدقان بالعتمه . التفت فقط عندما اسمع صوتا لانه شيئ كنت افعله حينما كنت ابصر ، فانا لم اولد ضريرا بل اصبحت هكذا بسبب حادث سير مؤلم . انا وحيد عائله مؤلفه من ست فتيات وآخر العنقود ، ولدت كما تقول والدتي بعد ان قطعوا الامل في الولد ، وعندما حملت والدتي كانت قد تجاوزت الاربعين بقليل وكانت شقيقتي الكبرى قد تزوجت وانجبت ، وشقيقتي الثانيه كان مكتوبا كتابها . خجلت والدتي من ان تخبر شقيقاتي في بدايه الحمل لكن عندما بدا بطنها بالانتفاخ لم تعد تستطيع اخفاء الامر فهي كانت تقول تسمن كثيرا ، لكنها عندما بدات شهرها السابع جمعت شقيقاتي وقالت لهن : انا حامل فشهقن وقلن : ماذا ؟ هل انت جادة كيف حصل هذا فسنك لا يسمح لك بالانجاب ؟ فاجاب والدي : انها في الثاله والاربعين فقط ما بالكن لانها تزوجت صغيرة وانجبتكن اصبحت في نظركن عجوزا ؟
اجابت شقيقتي الكبرى : لا يا والدي لكن يقال ان المرأة اذا حملت في هذه السن هناك خطر بنسبه معينه الا يكون الجنين لا سمح الله طبيعيا . قال : لا تخفن فنحن منذ الشهر الاول نتابع الموضوع مع اشهر الاطباء والحمدلله كل شيء يبدو طبيعيا .
ولدت انا ... ملأت المنزل سعادة وبهجة فقد كانت فرحة والدي وشقيقاتي لا توصف خاصة انني ولدت سليما معافى ... و.... ولد ... الولد الذي طالما انتظره والدي ليحمل اسم والده واسمه من بعده لكن استغفر الله ، ليتني لم اولد ، اقول هذا لما سببته من الم لعائلتي في ما بعد ، فقد بنت آمالا كبيرة علي . كان دلالهم لي يفوق الوصف بدءا من جدي وجدتي مرورا بوالدي وصولا لشقيقاتي انتهاء بالعائله فانا الولد المنتظر من اعوام صحيح اني كنت مجتهدا واحب الدراسة لكنه الشيء الوحيد الذي فلحت فيه ، والذي كان يجعل اساتذتي في المدرسة يسكتون عن شقاوتي والذي زاد الطين بله ان والدي ابتاع لي سيارة قبل ان ابلغ الثامنة عشر واخذ يدربني على القيادة امام منزلنا وفي الفريج . كانت ملابسي كلها مستوردة كناديري وغتري بالشيء الفلاني مع اني نادرا ما ارتديها فانا دائما ارتدي الجينز والتيشيرت والكاب على راسي وكان والدي يثور عندما يراني هكذا فاعده بان افعل ما يريد لكنه يعلم انني لا افي بوعودي ، فقط اقول له " حاضر طال عمرك كما تريد انت آمر "
كنت متكلما اعرف كيف ارضي الجميع بكلامي المعسول وهم يعرفون هذا الامر لكنهم يضحكون ، فكنت مثلا عندما تغضب والدتي اسرع نحوها واقول لها لا تغضبي ارجوك يالغاليه هذا رأسك أقبله وأقبل يديها وأظل أقبلها وأدغدغها حتى تضحك وتصفعني كي ابتعد عنها ، احضن شقيقاتي وأرفعهن عن الأرض وأدور بهن . عندما يدخل والدي من باب المنزل أقف وأؤدي له التحيه فقد كان عميدا في المخابرات ، كان يقول : يا بكاش انا اشتغل بالعالم واعرف الكاذب المحتال السيء والجيد من نظرة وانت تريد ان تضحك علي ؟ فكنت اقول له حاضر سيدي معك حق سيدي فانا كاذب وسيء وانا راض بحكم سيادتكم فكان يطبطب على كتفي وهو يضحك ويقول : استرح وعن المصاخه انت فعلا لا تطاق وليكن الله في عون من ستتزوجك . كنت اقول له : لا لن اتزوج فانا اريد ان ابقى لكم وحدكم لا يقاسمني محبتي احد لانني واثق من انني عندما انجب الاحفاد لكم سياخذون كل محبتكم واهتمامكم لا حبيبي مشكور سابقى معكم وحدي دون عزول ، كنت بلغت العشرين وانا لا ازال اتصرف كمراهق امامهم حتى انني وضعت حلقا في اذني فجن جنون الجميع ، وانا فعلتها هكذا فقط لاغيظهم وامازحهم وارى ردة فعلهم كنت عندما اخرج في السيارة اسير بها على مهل ، لان والدتي كانت تقف لي على الشرفه وهي توصيني : لا تسرع يا ولدي من فضلك لا تتهور بالقيادة ، فكنت اخرج بها كما تريد وعندما اغيب عن ناظريها اطلق العنان لشقاوتي وحبي لصوت محركها الرائع القوي ، لكن للحظات فقط كنت قد حفظت مكان تواجد الرادارات فاخفف من سرعتي حتى لا ينفذ والدي لي بانه ان راى تجاوزا للسرعة ليس فقط لن يدفع قيمته بلةسياخذ مني سيارتي الحبيبة التي كان الجميع يحسدني عليها انها خارقة بكل شيء من محركها الى قوتها واطاراتها لونها شكلها ماركتها يعني كنت محظوظا بامتلاكها ، كانت لا تتسع الا لشخص واحد بجانبي فكان اصدقائي يتقاتلون في ما بينهم من سيكون دوره اليوم ويبدؤون بعرض خدماتهم علي ليفوز احد يكون عرضه مغري اكثر من الاخر هذا الذي يعرض علي ان يعرفني على فتاة رائعة الجمال والاخر يرييد ان يعطيني دراجته النارية ليوم كامل الى ما هنالك من إغراءات حتى ان احد اصدقائي ، وكان مضحكا عرض ان يكون خادمي لاسبوع ان اخذته معي الى ابوظبي وجعلته يقودها لبضعة امتار حتى تراه من يحبها وتكلمه ، فكان يقول : ليس عدلا ان تكون بتلك الوسامة وتملك اجمل سيارة بينما انا بشع وسيارتي كشرة . كنت اضحك كثيرا واجعله يفعل ما يريد لكنني اذله ، ذاك المسكين حيث كنت اوقظه من نومه لاطلب منه ان يصنع لي شايا او قهوة ، وكان لا يجرؤ على التافف لانه سينفضح امام من يحب . كهذا كانت حياتي كلها لهو ومرح وتمضية الوقت مع الاصدقاء . صحيح انني اكملت الدراسة لانني كنت اعشق الدراسة لكن لكل شيء وقته فوقت المرح للمرح ووقت الدراسة للدراسة لا استقبل احدا ولا اخرج مع احد كانت عطلة نهاية الاسبوع فقط لاصدقائي في المساء ولهم في النهار وهذا ما كان يسكت والدي عن الاشياء الاخرى التي كنت افعلها ، اردت ان ادخل السلك العسكري واصبح مثل والدي لكنه رفض ذلك لانه سيبعدني في المستقبل عنهم وعن عائلتي التي ساكونها ، فقد كان والدي في اغلب الأحيان خارج المنزل لا نراه لعدة ايام وليال ثم أحببت كثيرا المختبر واردت ان اصبح طبيبا صيدليا ففرح الجميع لخياري لكنهم حاولوا إقناعي أن أصبح طبيبا ولو صحة عامة ، بلا تخصص معين ، لكنني لا احب ان ارى الدماء أو رؤية احدهم يتألم ففضلت أن أكون من يجهز الدواء للمريض وان اكون من يريحه من اوجاعه دون الحاجة لرؤيته . هكذا أنا قلبي ضعيف منذ صغري لا استطيع رؤية الناس وهم يتألمون لا استطيع رؤية فقير محتاج طنت لا انام عدة ليال وأنا أفكر كيف أنني اشبع أو ارفض الطعام إذا لم يكن على ذوقي ، وغيري يموت من الجوع ويتمنى لقمة خبز يسد بها جوعه خاصة الأطفال وقد دخلت ضمن مؤسسة تعنى بالفقراء وتؤمن لهم احتياجاتهم بالاشتراك مع الدولة ، فكنا نساعد من مالنا الخاص لنبتاع لهم أشياء تنقصهم فكنا نجمع لهم الحلويات والألعاب وحتى الملابس والأحذية ، كنت اغيب عن المنزل لفترات طويلة في عطلة الجامعة وخاصة في شهر رمضان المبارك دون ان يعرف اهلي شيئا مما افعله الى أن تبعني والدي مرة ظنا منه إنني لا سمح الله افعل شيئا سيئا او لا أصوم او اتعاطى المخدرات او اشرب الكحول لكنه فوجئ بما كنا نفعله حيث كنا نقسم الألبسة والأحذية والألعاب والحلويات والمعلبات لنضعها على ابواب منازل الذين نعرفهم من المتعففين فدمعت عيناه وحضنني ثم هنأني وذهب بعد ان طلبت منه الا يخبر احدا عما رآه . زادت ثقته بي ومحبته لي بعد هذا الموقف واصبح المدافع الاكبر لي حتى ان والدتي استغربت الامر وقالت له انت من كنت تغضب ن غيابه المفاجئ والمستمر فلماذا تدافع عنه الآن فكان يقول لقد اصبح رجلا ولا استطيع ان اقف في وجهه كما اننا ربيناه جيدا وهو يعرف ماذا يفعل ، لكن بما انك تقول انه اصبح رجلا فلماذا لا نزوجه ونرتاح .؟فكان يرحب بالفكرة لكن عندما كانا يعرضان علي الموضوع كنت ارفض الفكرة تماما فانا من داخلي كنت اشعر بانني ما ازال صغيرهما المدلل ولم اكن مستعدا للارتباط بعد كنت اريد ان اتنعم بكل لحظة لي معهما ، كنت اقول لهما لا اريد ان اترككما ، فكانا يردان : ومن قال انك ستتركنا فهذا منزلك فانت ستتزوج وتبقى معنا في نفس المكان خاصة ان شقيقاتك قد تزوجن جميعهن فكنت اقول لن اتزوج قلت لكما .. فكان والدي يقول : دعيه فعندما يحب سيفعلها لوحده .
لم اتخيل يوما ان هذا ما سيحصل فعلا فقذ بقيت معهما دون زواج ودون اولاد فـــــمـــــــن ترضى ان ترتبط بضرير مشوه وجهه من الحروق المتعددة معقد يكره الحياة ويسجن نفسه بغرفته لا يرضى ان يكلم احدا او يجلس مع احد حتى ابناء شقيقاتي الذين كانو عشقي لم اعد اقبل ان يرونني وانا هكذا . كنت اسمعهم وهم يضحكون ويلعبون في ارجاء المنزل وانا جالس في غرفتي اسد اذني وابكي بكاء مريرا ولا تعتقدوا بان ما اصابني من ضرر وتشوهات هو سبب حزني لا انها الاشياء التي خلفها الحادث الاليم الذي لم يكن لي يد فيه فقد قطع الاشار الحمراء سائق مخمور سكران متهور واصطدم بي ليقتل هو على الفور وانا اندلع حريق في سيارتي بعد دقائق من الحادث بسبب كسر في خزان الوقود وكنت غائبا عن الوعي وقدمي عالقة بين المقود والمقعد حيث اطر الدفاع المدني والاطفاء الى قطع الباب بالمنشار الحديد ثم المقود لتحريري فكانت النيران قد بدات تحرق وجهي وشعري ورقبتي لم يتصور احد انني ساعيش فقد كانت حروقي بالغة الخطورة توقف قلبي عدة مرات وانا في سيارة الاسعاف ثم رحت في غيبوبة وعندما افقت منها كانوا يحقنوني بالمورفين ليخففوا المي ثم قرروا ان يبقوني نائما على ان اتحمل لهذه الالام المبرحة ولان رئتي قد كانت مشبعة برائحة الدخان المتصاعد مني ومن السيارة نمت ولو اعد اشعر باي احد . ارتحت من الالم لكن والدتي لم يستطع قلبها الكبير الحنون من تحمل رؤية فلذة كبدها يعاصر الالم توفيت بسكتة قلبية بعد ما رات ما اصابني من تشوهات وعلمت اني ولدها الوحيد .. اصيب بالعمى .. فصقطت ارضا بع عدة ساعات ولم تقم .... فارقت الحياااة فجاة .. امام ناظري والدي المكلوم .. اما انا فقد اصبحت مشوها ضريرا ويتيم الام فقدت نظري لكنني لم احزن بقدر حزني لفقدان اغلى انسانة في الوجود فقدت حضنها الدافئ ، فقدت نبرة صوتها الحنونة ، ضحكتها الرنانة ، حنانها ، اهتمامها ، حبها ، وجودها، فكل شيء فقدته لا يوازي فقدانها .
كان صوتها يتردد في اذني دون توقف ، كنت الوم نفسي كل دقيقة على ما حدث كنت اعتبر نفسي السبب في موتها حاولوا كثيرا ان يقولوا لي انه امر الله وانا لا ذنب لي في كل ما حصل معي ومع والدتي فهذا مقدر ومكتوب ، لكنني كنت لا اسمع لهم فقدت ايماني ضعت وتشوشت افكاري مع اني كنت مؤمنا لا افوت فرضا لكنني بالنهاية إنسان والإنسان ضعيف يلعب الشيطان لعبته بلحظة ضعف ، كنت اعتقد ان الحياة ليست عادلة فبقدر ما اعطتني من سعادة سلبتني اياه بلمحة بصر لم اعد اصلي ولا اقبل ان يزورني احد من رجال الدين لكن والدي حبيبي هو وحده من عرف كيف يداويني ويداوي جروحي ويعيدني رويدا رويدا الى ما كنت عليه من ايمان ، فكان يضع ايات قرآن دون توقف على قرص مدمج كل نهار لقد كان الوحيد الذي يدخل غرفتي المظلمة ليلا نهارا لم يضغط علي يوما كان فقط يحثني على الكلام وانا ارفض كان يريدني ان افرغ الحزن من قلبي ان ابكي ان اتكلم ، لكنني ظللت صامتا الى ان قرر يوما ان يكلمني عن والدتي فبدا بالحديث عنها وعن زواجهما وعن انجابي وفرحها بي عندما نبتت اسناني وعندما خطوت اولى خطواتي وكيف كانت تنتظر مجيئي من الخارج وهي في غرفتها جالسة قرب النافذة في العتمة حتى لا اشعر بها واعرف انها لا تزال صاحية ، بدات دموعي تتدحرج على خدي دون توقف كنت اتخيلها بعبائتها وجمالها بوجهها الذي يشع حنانا ثم قلت توقف فلم يفعل بل اكمل فصرخت .. تـــــوقــــــف ..ارجوك يا والدي توقف يكفي ، فاقتربت منه وارتميت في حضنه ابكي كالطفل واقول : لقد اشتقت لها كثيرا انا بحاجة لها ، اجابني : وانا ايضا يا ولدي مشتاق لها وضائع من دونها لكنه امر الله والموت حق والحمد لله لدي انت فانا اراعيك واهتم بك ..قلت : هل تقلب الادوار يا ابي ..فالاولاد هم من يهتمون بآبائهم .قال: طالما انا بخير وصحة جيدة فلن اقبل ان يخدمك احد غيري فانا ساكون عينيك وعكازك انا ساطعمك بيدي واسقيك افعل معك ما لم استطع فعله وانت صغير فانت وحيدي الذي لطالما تمنيته . قلت : الآن اصبحت المسخ الذي لم تتمنه ، قال : لا تكرر هذا الكلام فانت ولدي الذي افخر به وسنفعل اشياء كثيرة معا ، : مثل ماذا يا والدي ..؟؟
قال : جراحة لزرع عين لكي تعود وترى مجددا فقد وضعت اسمك في لائحة مؤسسة وهب اعضاء وجراحة اخرى لزرع جلد من فخذك على جبينك وجراحة ترميمية لوجهك فقط ارحني وقل نعم .قلت : اتدري يا والدي لم اكن اعرف النعم التي كنت اعيشها حين كنت ارى لم اكن اشكر الله عليها لكنني الآن اعرف ما يعني فقدان حاسة من الحواس ، يجب علينا شكر الله عز وجل كل دقيقة لاننا نستطيع السير على اقدامنا واستعمال يدينا .. على سمعنا ونظرنا ، فالانسان منا لا يعرف متى يصبح كسيحا او ضريرا اواصم .
انا الآن انهيت دراستي وحصلت على الشهادة في الصيدلية ، فتحت صيدليتي الخاصة ، اهتم بوالدي الذي وقف معي لاعوام ، عدت ارى بعين واحدة لكنني والحمد لله ارى على الاقل ، اشكره على نعمته كل دقيقة وثانية حققت حلم والدي وتزوجت من فتاة صالحة احبتني كما انا ، وانجبت منها فتاة واسميتها على اسم امي المرحومة ، لا تفقدوا الأمل اعزائي
رسالتي هذه كانت فقط لاطلب منكم ان تغمضوا اعينكم لدقائق وتحاولوا ان تسيروا في الظلام وتتعثروا ، تتلمسون الأشياء حولكم لتجدوا طريقكم ، هكذا فقط ستعلمون النعمة التي انتم بها لتحمدوا الله عليها دائما ..
تحياتي ..
" تائب "

مع تحياتي اختكم .... :نهى: